الجزء الأول
ومن حيث إن حجة المدعي في هذا الصدد داحضة بسقوط الأسس التي قامت عليها، وتنهار بانهيارها، وذلك أن هذا الذي لم يتصوره المدعي ولم يدر له بخلد من أن يبحث علماء الإسلام زواج المرتد لأنه مستحق للقتل، تصوّره علماء الإسلام وقتلوه بحثاً وتمحيصاً، بل إنهم افترضوا المستحيلات وأعدوا لها البحوث ورتّبوا لها الأحكام ليقينهم بأن شريعتهم باقية على الزمن، وما قد يبدو مستحيلاً في زمانهم قد يصبح في زمان مقبل حقيقة واقعة، وأقرب الأمثال لذلك أن محمداً بن الحسن كتب في سبعة وعشرين ألفاً من الأقضية، وأفتى في المستحيلات{..فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ} الحج 46، هذا وقد أفاض فقهاء الإسلام فقهاء الإسلام في كل عصر في الكلام عن زواج المرتد، وجماع رأيهم أن اختلاف مذاهبهم أنه باطل بطلاناً أصليا وفيما يلي قليل من كثير بغية التمثيل لا حصر ولا لإحاطة:
1 - عند العلاّمة السيد شمس الدين السرخسي في كتابه"المبسوط" الطبعة الأولى بمطبعة السعادة سنة 1324هـ باباً لنكاح لمرتد جاء في أوله جزء في أوله
جزء 5ص48 " ولا يجوز للمرتد أن يتزوج مرتدة ولا مسلمة ولا كافرة أصلية، لأن النكاح يعتمد الملة أي يعتمد على الاعتقاد بملة صحيحة-ولا ملة للمرتد-فإنه ترك ما كان عليه- أي الإسلام- وهو غير مقرّ على ما اعتقده". وقد علّل هذا الحكم بأسباب منها أن النكاح مشروع لبقاء النسل والقيام بمصالح المعيشة، والمرتد مستحق للقتل، وإنما يمهل أياما ليتأمل فيما عرض له وجد في ذهنه من شبهة وزيغ، وإشغاله بأمر النكاح يشغله عما أمهل من أجله وهو التأمل، وكذلك الحال في شأنه المرتدة، وللأسباب نفسها يزيد عليا أنها بالردة صارت محرمة وينبغي في النكاح أن يختص بمحل الحل. وقد جاء في نفس المرجع(ص104ج10) ضمن الكلام على تصرفات المرتد:" ومنها ما هو باطل بالاتفاق في الحال كالنكاح والذبيحة لأن الحل بهما يعتمد الملة ولا ملة للمرتد، فقد ترك ما كان عليه-الإسلام-وهو غير مقرّ على ما اعتمده، أي انتقل إليه".
2- وقد جاء في كتاب(بدائع الصنائع) ج2(ص270) للإمام علاء الدين أبي بكر بن مسعود الكاساني الحنفي المذهب، طبع شركة المطبوعات العلمية سنة 1327هـ وهو بصدد الكلام عن شرائط جواز النكاح ونفاذه، فقال:" ومنها أن يكون للزوجين ملّة يقرّان عليها، فإن لم يكن أحدهما مرتداً لا يجوز نكاحه أصلاً بمسلم ولا بكافر غير مرتد ولا بمرتد مثله، لأنه ترك ملة الإسلام، ولا يُقَرّ على الردة، ويُجبَر على الإسلام بالقتل، فكانت الردة في معنى الموت، والميت لا يكون محلاّ للنكاح، ولأن ملك النكاح ملك معصوم ولا عصمة مع الردة.. والدليل عليه أن الردة لو اعترضت على النكاح رفعته فإذا قارنته تمنعه من الوجود من طريق الأولى كالرضاع، لأم المنع أسهل من الرفع.
3- كما ورد في كتاب (الهداية شرح بداية المبتدئ) لشيخ الإسلام برهان الدين أبي بكر الميرغاني طبع المطبعة الأميرية سنة 1315هـ جزء2(ص505) في باب "نكاح أهل الشرق ما نصه:" وزلا يجوز أن يتزوج المرتد من مسلمة ولا كافرة ولا مرتدة لأنه مستحق للقتل، والإمهال ضرورة التأمل والنكاح يشغله عنه"، وعلق الكمال بن الهمام على ذلك بقوله:" أما المسلمة فظاهر لأنها لا تكون تحت كافر، أما الكافر لأنه مقتول معنى، وكذا المرتدة لا تتزوج أصلاً لأنها محبوسة للتأمل، ومناط المنع مطلقاً عدم انتظام مقاصد النكاح وهو لم يشرع إلا لها، وقد جاء في المرجع الأعلى للميرغياني في باب أحكام المرتدين ج4(ص396) حيث قسم تصرفات المرتد إلى اقسام وجعل القسم الثاني منها باطلاً بالاتفاق ومثّل له بالذبيحة والنكاح.
4- وفي كتاب (الدر المختار شرح تنوير الابصار) للعلامة محمد علاء الدين الحصكفي طبع المطبعة الأميرية ج2(ص407) في باب نكاح الكافر" ولا يصح أن ينكح مرتد أو مرتدة أحداً من الناس مطلقاً" وفي باب المرتد ج3(310):" ويبطل منه اتفاقاً ما يعتمد الملة وهو خمس: النكاح والذبيحة والصيد والشهادة والغرث". وعلق الشيخ ابن عابدين في حاشيته على قول الحكفي ما يعتمد الملة نقلاً عن الطحاوي- أي ما يكون الاعتماد في صحته على كون فاعله معتقداً ملّة من الملل، والمرتد لا ملّة له أصلاً- لأنه لا يُقَر على ما انتقل إليه.
5- وورد في كتاب (البحر الرائق شرح كنز الدقائق) للعلامة زين الدين بن نجيم الملقب بأبي حنيفة الثاني ج5(ص144) الطبعة الاولى بالمطبعة العلمية، بعد أن تكلم على تصرفات المرتد حال الردة:" والحاصل أن ما يعتمد الملة لا يصح منه اتفاقاً هي خمسة: النكاح، والذبيحة، والصيد، والإرث والشهادة".
6- وذكر الزيلعي في شرحه للكنز ج3(ص288) طبع المطبعة الاميرية سنة 1313هـ نحو ذلك، ومثّل للباطل من تصرفات المرتد بالنكاح، وذكر المؤلف نفسه في باب نكاح الكافر ج2(173) شرحاً لقول المتن:" ولا ينكح مرتداً أو مرتدة أحد لأن النكاح يعتمد الملة ولا ملة للمرتد".
7-كما ورد في كتاب " المغني" لابن قدامة الحنبلي (ص83)ج10 الطبعة الأولى بمطبعة المنار سنة 1348 هـ تحت عنوان بطلان زواج المرتد وبطلان ملكه:" وإن تزوج لم يصح تزوجه لانه لا يُقَر على النكاح وما منع الإقرار على النكاح مع انعقاده كنكاح الكافر للمسلمة، وإن تزوج لم يصح تزوجيه، لأن ولاءه على موليته قد زالت بردته".
8- وقال مثل ذلك صاحب الشرح الكبير المطبوع من المغني(98) من الجزء نفسه.
9- وقال مثله أيضاً الهيتمي بن حجر في شرحه المسمى(حفة المحتاج بشرح المنهاج) ج9(ص100).
ومن حيث إن المدعي، بعد أن استبان في جلسة المناقشة فساد ما يؤسس عليه دعواه من أن فقهاء الشريعة الإسلامية لم يضعوا لزواج المرتد حكماً عمد إلى إقامة الدعوى على إساس آخر، ذلك أن وصف الردة لا ينطبق عليه ولا يلحقه فلا محل لتطبيق أحكام زواج المرتد على زواجه، واستشهد في تعريف الردة قولاً لابن عابدين في حاشيته" رد المحتار على الدر المختار" جاء فيه:"غن المرتد لغة هو الراجح مطلقاً، والمرتد شرعاً هو الراجح عن دين الإسلام، وركنها إجراء كلمة الكفر على اللسان بعد الإيمان،وهو تصديق محمد صى الله عليه وسلم في جميع ماجاء من عند الله مما عُلِمَ بالضرورة. ويستطرد المدعي إلى أنه لم يكن مسلماً في اي وقت من الأوقات، بل إنه ولد بهائي عن أبيه وتبعاً له، واستدل على بهائية أبيه بالشهادة التي قدمها من المحفل المركزي للبهائيين بمصر والسودان، ثم رتب على ذلك كله أنه يعتبر ذمياً لا مرتداً ولا تنطبق فتيا المفتي على حالته حيث وَرَد فيها:ط إن من اعتنق مذهب البهائيين من بعد أن كان مسلماً صار مرتداً عن دين الإسلام، ولا يجوز مطلقاً ولو ببهائية مثله، ثم اشار إلى أن زوجته مولودة لأبوين بهائيين، وأنه لم يكن مسلماً هو ولا زوجته في اي وقت حتى يقال إنه مرتد".
ومن حيث إنه وإن كان للردة معنى شرعي، التكذيب بعد سابقة التصديق، إلا أن مقطع النزاع في الأساس الجديد الذي يحاول المدعي أن يقيم عليه دعواه، هو معرفة حكم ابن المرتد في الشريعة الإسلامية متى كان أبوه أو أمه أو أحد أجداده مسلماً، الأمر الذي كلّفت المحكمة الطرفين ببحثه فتقاعسا عنه وهو ما تؤخر التصدي لع إلى ما بعد مناقشة الأوراق المقدمة من المدعي من المحفل البهائي، إذ هي دليل الواقعة التي يقيم عليها المدعي من المحفل البهائي، إذ هي دليل الواقعت التي يقيم عليها المدعي نظريته الجديدة.
ومن حيث إنه قد بان للمحكمة من الرجوع إلى شهادة المحفل البهائي المقدمة من المدعي أخيراً أن عبارتها جرت على النحو الآتي:" بناء على الطلب المقدم من حضرة مصطفى كامل عبد الله أفندي-المدعي- بإعطائه شهادة من واقع سجلات المحفل الروحاني المركزي المركزي للبهائيين بمصر والسودان عن قيد والده حضرة علي أفندي عبد الله بها، نقرر أنه بالاطلاع على سجلات المحفل تبين أن حضرة علي افندي عبد الله مقيد بهذه السجلات الممسوكة منذ عام 1929 كأحد أفراد الطائفة البهائية بمصر". وأول ما يلحظ في شأن هذه الشهادة أنه جهلت تاريخ تمذهب والد المدعي بالبهائية، كما أنها لم تعيّن بالضبط الوقت الذي مُسكت فيه سجلات المحفل واكتفت بالقول بأنها ممسوكة منذ عام 1929. وبأخذ الأمر على ظاهر ما فيه، ومع افتراض أن المدعي كان من أوائل من اعتنقوا البهائية في سنة 1929 فإن ما جاء بوثيقة زواج المدعي المؤرخة 20 من مارس سنة 1947 والتي ذكر بها أن عمره 34 سنة، اي أنه مولود عام 1913، إذا ما قرن هذا الأمر بذاك أمكن استخلاص أن سن المدعي وقت أن اعتنق والده البهائية كان 1 سنة، ومقتضى ذلك ولازمه أن وقت أن حملت أم المدعي به كان ابوه مسلما، ووقت أن ولد المدعي كان الاب مسلماً ايضاً، ووقت أن بلغ المدعي سن التكليف كان الاب لايزال على إسلامه، ولا خلاف في أن سن التكليف، وهو سن المحاسبة على ترك فرائض الإسلام هو سن الخامسة عشرة بل إن البهائية نفسها تتخذ هذه السن سناً للبلوغ، كما ورَدَ في قانون أحوالها الشخصية على نحو ما سلف ذكره. ومن ثم يكون المدعي قد علَق في بطن أم لأب مسلم، وولج لأب مسلم. فهو مسلم تبعاً لأبيه وهو(الإبن) قد بلغ مسلماً قبل أن يرتدّ أبوه عن الإسلام، وباعتناقه البهائية فهو مرتدّ بكل معاني الكلمة لغة وشرعاً تحكمه فتيا المفتي من أن من كان مسلماً واعتنق البهائية فهو مرتد وزواجه باطل سواء أكان من مسلمة أو من بهائية، ومن ثم فلا حاجة في هذا المقام إلى بحث ما إذا كانت زوجته مولودة لوالدين بهائيين كما يقول المدعي أم لا، ويكفي الإشارة إلى أن الشهادة المقدمة لم تشر على والدة الزوجة وإنما أشارت على أن اباها خليل عياد أفندي من الطائفة بحسب السجلات الممسوكة بالمحفل منذ سنة 1929. هذا ولايفوت المحكمة أن تشير إلى أن الورثة111 من ملف خدمة المدعي المقدم من الحكومة تدل على أنه وُلِد على التحقيق في 28 من مايو سنة1912 مما يقطع بأنه كان يقارب السابعة عشر حينما ارتد أبوه-على فرض أن تلك الردة كانت في أوائل سة 1929عقب إصدار الدستور البهائي وإنشاء المحفل الروحاني بمصر.
ومن حيث أن حكم الشريع الإسلامية في شأن ابن المرتد قاطع لكل شبهة، دافع للأساس الجديد الذي يحاول المدعي إقامة الدعوى عليه، وذلك أن ابن المرتد مسلم في نظر الإسلام سواء أعلق في بطن أمه قبل الردة أم بعدها، ومن باب أولى ما إذا كان قد ولد قبل ردة أبيه، بل يكفي لاعتبار ابن المرتد مسلماً أن يكون لأحد أبويه أب مسلم مهما علا وبعُد، سواء أمات هذا الجد البعيد على الإسلام أو ارتد عنه حال حياته، ويرى البعض ان ابن المرتد يعلق ويولد ويبلغ مسلماً فإن ظهر منه الكفر وترك الإسلام فهو مرتد أصيل يستتاب ويمهل، فإن لم يتب يعامل معاملة المرتدين من وجوب القتل إن كان ذكراً والحبس والضرب حتى الموت إن كان انثى، وذلك من عدة أوجه أساسية، منها: ان الإسلام يعلو ولا يُعلى عليه، ومنها أنه مَن وُلِد في دار الإسلام ولم يُعرف والده فهو مسلم، إذ حكم الإسلام يثبت ابتداء بطريق تبعية الدار عند الولادة ومن باب أولى إن بقي بدار الإسلام حتى بلغ أشده، وهذا أمر مسلّم متفق عليه في المذاهب الأربعة، وأما أدلة ذلك:
فأولاً: جاء في (ص93)ج10 من كتاب (المغني) لابن قدامة على مختصر الخرقي وهو حنبلي المذهب ما نصه:" فأما أولاد المرتد فإن كانوا ولدوا قبل الردة فإنهم محكوم بغسلامهم تبعاً لآبائهم ولا يتبعونهم في الردة لان الإسلام يعلو وقد تبعوهم فيه ولا يتبعونهم في الكفر ولا يجوز استرقاقهم صغاراً لأنهم مسلمون ولكباراً لأنهم إن ثبتوا على إسلامهم فهم مسلمون وإن كفروا فهم مرتدون حكمهم حكم آبائهم في الاستتابة". هذا رأي الحنابلة في ابن المرتد إن ولد قبل ارتداد ابيه، اما المالكية فيَرَون أن ابن المرتد المسلك حتى ولو ولد حال ردة أبيه ودليله هو:
ثانياً: فقد قال الشيخ أحمد الدردير ( في الشرح الكبير على خليل)ج4(ص305) في باب الردة:" وبقي ولده الصغير مسلماً ولو ولد في حالة ردة أبيه اي حكم بإسلامه ولا يتبعه، ويجبر على الإسلام إن أظهر خلافه، فإن تُرِك اي لم يطلع عليه حتى بلغ وأظهر خلاف الإسلام فيحكم عليه بالإسلام ويجبر عليه ولو بالسيف".
ثالثاً: - أما الأحناف، فقد جاء في (المبسوط) للسرخسي(ص37) في صدد الحديث عما إذا ارتد الزوجان معاً ثم ولدت الزوجة منه:" واما الولد فإن ولدته لأقل من ستة أشهر منذ يوم ان ارتد فله الميراث لأننا تيقنّا أنه كان موجوداً في بطن أمه حين كان الزوجان مسلمين فهو محكوم له بالإسلام ثم لا يصير مرتداً بردة الابوين ما بقي في دار الإسلام لأن حكم الإسلام يثبت ابتداء بطريق تبعية الدار فلأن يبقى فهو أولى به".
أما الشوافع ففي رأيهم جماع الآراءا لسابقة وأكثر، فقد جاء في (متن المنهاج) مع شرحه لابن حجر(ص98) وما بعدها:" وولد المرتد إن انعقد أي علق في بطن أمه قبل الردة و بعدها، وكان أحد أبويه من جهة الاب أو الأم وإن علا أو مات مسلماً فهو مسلم تغليباً للإسلام وإن كان أبواه مرتدين وفي أصوله مسلم فمسلم ايضاً لا يسترقّ، ويرثه قريبه المسلم، ولا يجوز عتقه عن الكفارات إن كان قنّا لبقاً، علقه الإسلام في أبويه، وفي قول وهو مرتد، وفي قول: هو كافر أصلاً لتولده بين كافرين ولك يباشرا غسلاماً حتى يغلظ عليه فيعامل معاملة ولد الحربي، إذ لا أمان له. نعم لا يقر بجزية لأن كفره لم يشند لشبهة دين كان حقاً قبل الإسلام وغلا ظهر أنه مرتد، وقطع به العراقيون، ونقل إمامهم القاضي أبو الطيب الاتفاق من أهل المذهب على كفره ولا يقتل حتى يبلغ ويمتنع عن الإسلام".
ومن ثم فلا حاجة فيما يثيره المدعي من أن وصف الردة لا ينطبق عليه لأنه لم يكن مسلماً ارتد عن الإسلام، إن أنه ولد لاب بهائي لا حجة في ذلك بعد أن ثبت أن البهائي مرتد وأن ابن المرتد إما أنه مسلم فإذا بلغ وأظهر غير الإسلام فيكون قد ارتد بعد البلوغ تجري في شأنه أحكام الردة من حيث وجوب القتل وبطلان التصرفات التي تعتمد الملة وأهمها الزواج، وإما أنه مرتد تبعاً لأبيه أو أبويه، ولكن لا يتقل إلا بعد البلوغ، وبعد أن يستتاب، فإن لم يتب تجري في شأنه أحكام الردة. ومن حيث أنه لا تزال في ذهن المدعي شبهة يجب أن تندفع، تلك هي أنه يحوم حول الذميين بحجة أنه صاحب دين يترك وما هو عليه وتستحق عليه الجزية فيكون زواجه صحيحاً في نظر الإسلام، وفاتَهُ أن أن الدين الذي يُقَرّ معتنقه عليه بالجزية هو الدين الذي كان حقاً قبل الإسلام كما سلف في (متن المنهاج وشرحه) لابن حجر، وأما ما تلا الإسلام من الادعاء بنزول دين جديد فزندقة وكفر، وتفصيل ذلك ما جاء في(المغني) لابن قدامة الحنبلي ص568 ج10 ما يلي:" الذين تقبل منهم الجزية صنفان: أهل كتاب ومن له شبهة كتاب. أما أهل الكتاب فهم اليهود والنصارى ومن دانَ بدينهم، كالسامرة يدينون بالتوراة ويعملون بشريعة عيسى، وإنما خالفوهم في فروع دينهم. وفرق النصارى من اليعقوبية والنسطورية والملكية والفرنجة والروم والأرمن وغيرهم، ممن دان بالإنجيل وانتسب إلى عيسى عليه السلام، فكلهم من أهل الإنجيل، ومن عدا هؤلاء فكفار ليسوا من أهل الكتاب.
وأما الذين لهم شبهة كتاب فهم(المجوس) فقد روي عن علي بن أبي طالب قوله:" كان للمجوس علم يعلمونه وكتاب يدرسونه" ولأن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"سنوا بهم سنة أهل الكتاب" كما جاء في (ص570) من المرجع نفسه:"إذا ثبت ذلك فإن أخذ الجزية من اهل الكتاب والمجوس ثابت بالإجماع من غير نكير ولا مخالف مع دلالة القرآن على أخذ الجزية من أهل الكتاب ودلالة السنة على أخذ الجزية من المجوس. وما روي من قول المغيرة لأهل فارس:"أمر نبينا أن نقاتلكم حتى تعبدوا الله وحده أو تؤدوا الجزية. وكذلك من حديث بريدة وعبد الرحمن بن عوف؛ ولا فرق بين كونهم عجماً أو عرباً".
ومن حيث إن المدعي لجأ في مذكرته الأخيرة إلى محاولة إيجاد سند آخر لدعواه فذهب إلى القول بأنه ليس من مصلحة العدالة تطبيق الشريعة الإسلامية على زواج المرتد في الوقت الذي تعطل فيه حكمها بقتل المرتد، غذ أن حكم الشريعة ببطلان زواج المرتد إن هو إلا فرع عن أصل هو استحقاق المرتد للقتل، أما وقد تعطل الأصل فلا وجود ولا بقاء للفرع.
ومن حيث أن هذا الذي يستحدثه المدعي مردود من عدة أوجه: