الرد على أن البهائية تُصلِح أي دين سبقها:
إن البهائية لا تصلح لأن تكون إصلاحاً في دين سابق عليها كالبوذية في البرهمية، وكالبروتستانتينية في المسيحية؛ فلأنها لم تتصد لدين واحد لتقويم نظر أهله فيه، وتعديل عوجهم في فهمه، ولكنها تناولت الأديان جملة، محاولة التوحيد بينها على ما في غالبها من التحريفات الظاهرة والآراء الباطلة.
ولكن الإسلام بعد أن أسس بنيانه على الأصول الخالدة التي تذعن إليها الإنسانية قرر أن الله سبحانه وتعالى أوحى دين الفطرة هذا إلى رسله في خلال العصور، ولكن قادته من بعدهم أخرجوه عن صراطه وحرفوا أصوله، على ما تصوره لهم أوهامهم لهذا السبب اختلفت الأديان كل الاختلاف، فأعاد الله وحي هذا الدين إلى خاتم رسله محمد _ ليرد إليه الغالين والمقصرين، وأمره بأن يبلغ ذلك إلى الأمم كافة، ففعل.
فهذه الدعوة التي يذعن لها العقل، ويؤيدها العلم والفلسفة والتاريخ من كل وجه تصلح أن تعمم بين البشر، وهي مادة الإسلام، وصبغته الإلهية التي واجه بها العالم كله.
فإذا كانت الفطرة الإنسانية قد ألهمت أن لابد لها من دين تسكن إليه؛ فلا يمكن أن يكون ذلك الدين إلا موافقاً لتلك الفطرة، ولا يجوز أن يكون مخالفاً للعقل الذي جعله الله مميِّزاً بين الحق والباطل، ولا مناقضاً للعلم الذي كتب له أن يعم الناس كافة.
وقد نقد العقل والعلم كل ما ورد عن الأمم في دور طفولتها من التقاليد والموروثات الضالة، واعتبرها وساوس لا يصح أن تبقى في عهد الرشد الذي بلغته الإنسانية، فألقَيا بها بعيداً عن مجال النظر، فإذا كان قد بقي في الناس من يأخذون بتلك الوساوس فلن يطول عهدهم في هذه الطفولة، ولابد من أن يأتي عليهم من الدهر يخضعون فيه تحت تأثير التربية القويمة والثقافة العلمية لمقررات العلم، فيجدوا الإسلام عنده.
نـحن نعلم أن الذي حدا البهائية إلى سلوك طريقة التأويل إنما هو تألف عامة الشعوب لتسارع إلى الدخول فيها محفوزة بتقاليدها وموروثاتها، وكان الأوْلى بها أن تتألف العقل والعلم، فإنهما دائبان على القضاء على تلك البقايا الطفلية من الأوهام الرثة، وقد لا يمضي قرن أو قرنان حتى لا يبقى لهذه الأوهام أثر في عقلية الجماعات الإنسانية.
فإلى أية حالة يئول أمر البهائية يومئذ؟! لا شك في أنها تئول إلى التلاشي الذي لا قيام لها بعده.
فالدين العام كما ترى هو الذي يكون بطبيعته وجوهره مشايعاً لأدوار رقي العقل السليم، ومنتهياً معها إلى حيث تنتهي من درجات الكمال المنتظر من إدراك الحق مجرداً من كل صبغة بشرية أو نزغة وهمية يوم لا تبقى إلا صبغة الله وحده،{صِبْغَةَ اللّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ صِبْغَةً }البقرة138
وهذا الوصف ينطبق على الإسلام وحده كما رأيت، سواء كان من ناحية طريقته الإصلاحية في تطهير النفوس، وإحياء القلوب، أم من ناحية أسلوبه في مسايرة العلم والفلسفة إلى غاياتهما.
فالمآل للإسلام حتماً مقضياً، وقد أشار الله تعالى إلى ذلك فقال: :" أَفَغَيْرَ دِينِ اللّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ {83} سورة آل عمران
وقد اعتقد هذا المصير كثيرٌ من الأجانب عن
الإسلام فقال المؤرخ الإنجليزي الكبير بوسورث سميث في كتابه( محمد والديانة المحمدية): " إنه سيأتي يوم تعترف فيه أدق فلسفة، وأخلص مسيحية بأن محمداً رسولُ اللهِ حقاً".
مخلص ما مر كله أن البشرية ليست في حاجة إلى دين جديد بعد الإسلام، فإنه استكمل جميع شرائط الدين العام، وقام على نفس الدرب الذي تسلكه العقول للوصول إلى الحقائق الخالدة، وقد أعلن كتابه أن آيات الله في الآفاق وفى الأنفس ستكشف للناس بالدلائل الساطعة أنه الحق، فيجمعون على الأخذ به، والانضواء تحت عَلَمه، قال تعالى: {سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ }فصلت53