موقفهم من المعجزات وإنكارهم لها
لم يدعِّ البهاء النبوة فحسب، بل ادعى الإلوهية أيضاً، وحتى لا يقول له أحد أين إثبات هذا بالمعجزات، كان لابد له من إنكارها وتأويل ما جاء به القرآن الكريم بشأنها، وكذلك السنة المطهرة عن نبينا صلى الله عليه وسلم؛ مثل انفلاق البحر وانفجار العيون من الحجر لسيدنا موسى عليه السلام، وإبراء سيدنا عيسى عليه السلام للأكمه والأبرص وإحيائه الموتى بإذن الله، ونبع الماء من بين أصابع سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، ورده عين قتادة، وتسبيح العصى في يده صلى الله عليه وسلم، فهيا بنا لنرى وجه آخر من أوجه الضلالات..
قد استندوا في هذا الإنكار على أنها أمور غير معقولة لديهم، ثم جهدوا وسعهم في تأويل كل ما ورد في تلك المعجزات من نصوص واضحة صريحة منحرفين بها إلى معان لا يقبلها إلا من فقد عقله قبل أن يفقد عقيدته!، وهم في ذلك ليسوا أكثر من مقلدين متبعين لطرائق أسلافهم من ملاحدة الفلاسفة الذين لا يؤمنون بأن لهذا العالم خالقا قادراً مختاراً فعالاً لما يريد.
يقول داعية البهائية أبو الفضل الجرفادقاني: لا ترى كثيراً من أهل العلم حملوا العبارات الواردة في الإخبار عن المعجزات على ظواهرها، فاعتقدوا أن العصا تحولت في الظاهر حقيقة بالحية، والأموات بالأحياء، وجرت المياه في الحقيقة من أصابع سيد الأنبياء، إلى غيرها من عجائب الأمور وخوارق المقدور، وكثير من أهل الفضل وفرسان مضمار العلم اعتقدوا بأن جميع ما ورد في الكتب والأخبار من هذا القبيل كلها استعارات عن الأمور المعقولة والحقائق الممكنة مما يجوزه العقل المستقيم ولا يمجه الذوق السليم؛ ففسروا العصا بأمر الله وحكمه، فإن موسى عليه السلام بهذه العصا غلب على فرعون وجنوده، ومحا حبائل عتوه وجحوده، وبهذه العصا (يعني أمر الله وحكمه) ضرب الأسباط الإثني عشر فلانت قلوبهم القاسية، وانشرحت صدورهم الضيقة، وتنورت أفئدتهم المظلمة فانفجرت منها عيون العلم والحكمة، وانبجست منها ينابيع الفضل والرحمة؛ فصاروا ملوكاً حكاماً وأئمة أعلاماً بعدما كانوا رعاة جهلة وعبيداً رزلة، يسومهم الفراعنة سوء العذاب؛ فكان بنو إسرائيل في طي هذه البأساء وتحمل هذه الضراء كالأحجار التي لا حراك لها ، والأموات التي لا حياة لها.... فلما ظهر موسى عليه السلام وأعطاه الله الحكم والنبوة وأمره بتخليص بني إسرائيل من ذل الأمر والعبودية فظهر من هذا الأمر المعبَّر عنه بالعصا وعن الرسالة المعبَّر عنها باليد البيضاء أثران باهران لا ينكرهما خبير، ولا يجهلهما بصير؛ فإنه محا أولاً كيد فرعون ومكره، وجبر ثانياً حال الشعب وكسره ، وخلص القوم من ذل الأسر وأجلسهم على منصة الملك، فجرى من تلك القلوب القاسية كالأحجار الصلدة عيون المعارف والعلم والحكمة، فعَلِم كل أناس مشربهم، وعرف كل سبط من الأسباط في مدة ألف وخمسمائة عام مسلكهم ومذهبهم.
ويقول في تفسيره لمعجزات عيسى عليه السلام: "حتى انتهت دورتهم وانقضت مدتهم (يعني الأسباط الإثني عشر) وتفرقت كلمتهم فقست وماتت قلوبهم، وبرصت بالذل جباههم وجنوبهم، فأحيا الله تعال بأنفاس عيسى عليه السلام بعضاً من تلك النفوس الميتة وبرأ بيده الكريمة جملة من الجباه المبروصة ".
ويقول في معجزات سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم: "ثم قام الرسول الكريم على إنشاء الديانة الإسلامية، فأجرى الله تعالى من أصابعه المباركة ينابيع الحكمة والعلم" (1)
إلى غير ذلك من التأويلات التي يردها إجماع المسلمين، والاستعارات التي يمجها الذوق العربي السليم، دونما حاجة إل شيء من ذلك الهراء ما دمنا:
1-نعتقد بالقادر المختار الفعال لما يريد.
2-وما دام في الناس أمثال هؤلاء الكذابين الدجالين المناكيد
مما يستلزم تأييد الله تعالى لمن يختارهم بالمعجزات والبراهين حتى يميز الخبيث من الطيب، والمبطل من المحق.
فمن المقرر لدى علماء الإسلام سلفاً وخلفا على أن المعجزة وهي من خوارق العادات لا من فوارق العقليات هي أمر يظهره الله على يد مدعي النبوة مقرونا بالتحدي مع إمكان المعارضة، ولن نمضي في بيان هذا التعريف فليس هذا مجاله ولكننا نقول: إن الهدف من ظهور المعجزات على أيدي الأنبياء هو تأييد الله لمن اختارهم لتبليغ دينه ورسالته، وذلك لإفحام خصومه وإقناعهم، فهي بمثابة الدليل على صدق دعوى النبوة.
وذلك في مواجهة أساليب التحدي والعناد، وقد أخبرنا القرآن بجملة من معجزات الأنبياء، كما دلت عليها ظواهر النصوص وإلا لفقدت مقاصدها وغايتها.
ولم تكن حينئذ من قبيل الأدلة على صدق دعوى النبوة، ما لم تكن مخالفة لسنن الطبيعة وقوانينها، وكان القرآن كبرى معجزات النبي صلى الله عليه وسلم تحدى به بلغاء العرب وفصحاءهم، وقد كانوا مطبوعين على البلاغة والفصاحة وقد نزل بلغتهم وبكلام من جنس حروف كلامهم.
وأخبرتنا الأحاديث المتواترة بعديد من معجزاته صلى الله عليه وسلم التي جرت على يديه في أوقاتها كمعجزات الإسراء والمعراج، وانشقاق القمر، ونبع الماء من بين أصابعه، وأنين الجذع وتسبيح الحصى في كفه، ورد عين قتادة، إلى غير ذلك مما ثبت بالتواتر المعنوي وحيث لا ينكره إلا جاحد ضال، والمنكر للمعجزات كالبهائية ومن نـحى نـحوهم منازع في تمام قدرة الخالق وشمول إرادته وإلا فهي ليست من مجالات العقول كما يدعي هؤلاء، ولهذا لجأوا إلى تأويل تلك النصوص التي أخبرت بوقوع المعجزات في القرآن والسنة جرياً على نفس منهجهم في التأويل من صرف النصوص عن معانيها الظاهرة إلى معان أخرى تستلزم عدم وقوع المعجزات بالمعنى المستقر عند الأمة الإسلامي.
1- الدرر البهية للجرفادقاني ص 44، 49